إعلانات رمضان: من الترويج لشراء فلل فاخرة إلى الدعوة للتبرع للفقراء
خلال نصف ساعة فقط من مشاهدة قنوات التليفزيون المصرية في رمضان، ستتقلب بك عشرات الإعلانات التجارية بين مزايا عروض الفيلات والمدن الجديدة الفارهة واالشاليهات البحرية، إلى التبرع لبناء مستشفيات الحروق أو أمراض القلب و سرطان الأطفال.
ورغم الانتقادات الواسعة لموجات الإعلان الطويلة في رمضان، فإن البعض يراها عاكسة للمجتمع المصري وتناقضاته الاجتماعية والطبقية.
ووفقًا لخبراء الإنتاج الإعلامي، يمكن تصنيف غالبية إعلانات التليفزيون في رمضان إلى ثلاث فئات: إعلانات المنتجات الغذائية والتي تستهدف الشريحة الأعرض من متوسطي الدخل، وإعلانات الشقق الفاخرة والمدن الجديدة التي تستهدف الأثرياء، وإعلانات التبرع التي تستهدف من لديهم فائض من الدخل.
تتبع صناعة الإعلانات في العالم العربي نظاما شبيها بالنظام البريطاني NRS، في التعامل مع الفئات المستهدفة من المشاهدين، وهو عبارة عن نظام طبقي تجاري يقسم المجتمع إلى شرائح تبدأ من الفقراء وغير العاملين وهو ما يطلق عليه تصنيف E، مرورا بالطبقة العاملة D، ومتوسطي الدخل B، وإلى الطبقة المتوسطة العليا A، والأثرياء A+
وفي هذا الموسم من الإعلانات، كان تفاوت الرسالة بين إعلانات المجتمعات المغلقة وإعلانات التبرعات ملحوظا.
سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي
هذا التفاوت الصارخ في الرسالة الإعلانية، كان محل انتقاد مدونين ومعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي. من بينهم اليوتيوبر المصري أيمن مصطفى، الذي انتقد في مقطع فيديو على حسابه، الإعلانات التي تطلب من المشاهد التبرع للفقراء، ثم تشعره أنه “واحد من هؤلاء الفقراء” مشيرًا في هذا الإطار إلى الإعلانات التي تروج لمدن جديدة فارهة.
وكذلك يسخر اليوتيوبر إسلام سامي من هذا التناقض في فيديو يدير فيه حوارا مع أمه، التي تقول إنها توقفت عن مشاهدة التلفزيون لأن هذه الإعلانات “ترفع لها الضغط”. فبينما تؤكد أنها تعرف واجباتها الدينية جيدا ولا تحتاج أحدا ليذكرها بالزكاة، تتساءل ” ما هي هذه الشقة التي ثمنها 6 مليون جنيه؟”.
يتناول أحمد سليم من هذا التناقض بشكل مماثل. فيحاول فهم منطق منتجي الإعلانات، إذ يقول متهكما “لماذا لا تريد شراء شقة في منطقة راقية ب5 مليون جنيه؟ لقد أحضرت لك كل فنانين مصر وما زلت لا تريد الشراء”. ثم يستكمل “يبدو أنك فقير ولا تحصل على 50 ألف جنيه في الشهر، تبرع إذا”.
إعلانات بديلة
وخلال السنوات الماضية، بدأ صناع أفلام من أحياء شعبية مصرية مختلفة في انتاج إعلانات طريفة تضاهي إعلانات المجتمعات المغلقة والمدن الجديدة لأحيائهم الشعبية مثل حي فيصل وحي شبرا مصر.
بين نبرة ساخرة وأخرى تحتفي بالمستوى الاجتماعي المتوسط تعرض هذه المقاطع الحياة في الأحياء الشعبية بين زحام المواصلات والزخم الاجتماعي والثقافي. فيقول أحد هذه الإعلانات “الناس هنا تشبه بعضها بحق”، في إشارة لجملة وردت في واحد من إعلانات المدن الجديدة. ويقول آخر “الناس هنا لا ترتدي الماركات المسجلة لأنهم هم أنفسهم ماركات المسجلة”.
الجميع يشاهدون التليفزيون
لكن صناع الإعلانات يرون أن ما يقدمونه هو مجرد انعكاس لصورة المجتمع بتبايناته، فيقول منتج الإعلانات والدراما، إيهاب بهجت في لقاء مع بي بي سي، إن على المنتجين التحدث مع كل طبقات المجتمع بداية من محدودي الدخل، إلى المليونيرات، “فالجميع يشاهدون التليفزيون”.
ويرى بهجت أن المنتجين، يتجهون إلى إنتاج الإعلانات بشكل “غنائي، وظريف” لتسلية من لا يهتم بمحتوى بعض الإعلانات.
وفي استطلاع رأي أجرته بي بي سي في شوارع القاهرة، اتفق أغلب المتحدثين أنهم لا ينتمون إلى عالم الرفاهية الذي يعرض في إعلانات المدن الجديدة أو الشاليهات البحرية، وأن هذا العالم الإعلاني لا يعكس الواقع الذي يعيشونه في حياتهم اليومية.
وبينما اتفق كثير ممن تحدثنا إليهم على أن شهر رمضان يرتبط في أذهان كثيرين بفعل الخير وإخراج الصدقات، ما قد يبرر عرض مزيد من هذا النوع من الإعلانات خلال الشهر، انتقد هؤلاء استخدام هذه الإعلانات لأطفال مرضى أو محتاجين فقراء أو مشاهير من ذوي الأجور المرتفعة. وهو ما عبر عنه أحد الأشخاص بالقول “حرام، أن يكون إعلان باهظ الثمن ويطلب منك التبرع ولو بجنيه”.
وبحسب تقرير لجريدة المال المصرية، يتراوح سعر دقيقة الإعلان بين نصف مليون (حوالي 27 ألف دولار) و مليون ومئتي ألف جنيه مصري (حوالي 65 ألف دولار) وذلك حسب العمل الدرامي أو البرنامج الذي تعرض خلاله.
ويرى الكاتب والصحافي حمدي رزق أن “مشكلة إعلانات التبرعات في رمضان، تكمن في التعامل معها كحسنة مخفية”، إذ لا يتم الإفصاح عن المبالغ التي تم جمعها أو فيما صرفت.
يقول رزق “هذه الإعلانات طلبت في العلن ويجب الإعلان عن حجم التجاوب معها في العلن أيضا”، مشيفا أنه لا يكفي قيام جهاز حكومي بهذه المراجعة، فمن تبرع من حقه أن يعرف مصير تبرعاته.
نفسية المشاهد
تقول د. نجوى عارف، الطبيبة النفسية اللبنانية في حوارها مع بي بي سي، أن الإعلانات ” لا تراعي نفسية المواطن”، وأن التفاوت في إعلانات رمضان بين مشاهد الفقراء المحتاجين ومشاهد “الألوان الزاهية والملابس الفاخرة” قد يكون له تأثير سلبي على نفسية المشاهد.
وترى د. عارف أن أثر هذه الإعلانات قد يترك أثرا على المشاهدين بفئاتهم المختلفة، حيث يشعر أصحاب الدخول المحدودة والطبقات المتوسطة بعدم الرضى عن حياتهم بسبب رؤية هذا المستوى من الترفيه “الذي قد يكون غير واقعي”.
كما تؤكد د. نجوى عارف أن لهذه الإعلانات أثرا سلبيا على الشباب الذي قد يشعر لدى مشاهدته لها بعدم جدوى العمل الذي لا يمكن أن يوصله لهذا المستوى الزائف من الرفاهية.
يتجدد الجدل كل عام حول طبيعة ما تقدمه الدراما الرمضانية من محتوى، وقد شهدت السنوات الأخيرة امتداد هذا الجدل إلى المحتوى الإعلاني الذي أصبح مصاحبا للأعمال الدرامية التلفزيونية، بل أصبح في أحيان كثيرة، يأخذ مساحة أوسع من وقت المشاهد وينقله بين عوالم تتباين بين فقر شديد ورفاهية باذخة.