يعتزم الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي تقديم لائحة اتهام لمحاكمة الرئيس، دونالد ترامب، برلمانيا بغية عزله من منصبه لدوره في اقتحام مبنى الكونغرس الأربعاء الماضي.
وقالت رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، إنها ستمضي قدما في إجراءات المحاسبة البرلمانية إذا لم يستقل ترامب على الفور.
ومن المقرر أن يوجه الأعضاء الديمقراطيون في مجلس النواب تهمة “التحريض على العصيان” إلى ترامب بعد غد الاثنين.
ويتهم الديمقراطيون الرئيس بتشجيع أعمال شغب في الكونغرس، قتل فيها خمسة أشخاص.
وقال الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، إن قرار العزل يعود إلى الكونغرس، لكنه قال إنه كان يعتقد “منذ فترة طويلة أن الرئيس ترامب ليس لائقا لتولي المنصب”.
ورفض البيت الأبيض المحاكمة ووصفها بأنها خطوة “ذات دوافع سياسية”، من شأنها “أن تؤدي فقط إلى مزيد من الانقسام في بلدنا العظيم”.
ووقع ما يقرب من 160 من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين على مسودة لائحة الاتهام، التي بدأ في صياغتها عضوا الكونغرس – تيد ليو عن كاليفورنيا وديفيد سيسلين عن رود آيلاند – بينما كانا يختبئان خلال الفوضى التي حدثت الأربعاء في مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس.
وإذا مضى هذا التحرك قدما، فستكون هذه هي المرة الثانية التي يلجأ فيها مجلس النواب إلى إجراءات العزل ضد الرئيس ترامب.
وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2019، اتهم مجلس النواب ترامب بإساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس. لكن مجلس الشيوخ، ذا الأغلبية الجمهورية، برأه من التهمتين في فبراير/ شباط 2020.
ولم يواجه أي رئيس أمريكي من قبل إجراءات عزل مرتين. ومع ذلك، فإن احتمالية إتمام الإدانة والعزل تبدو بعيدة، بسبب الدعم الجمهوري الواسع لترامب في مجلس الشيوخ.
وقالت السيناتور التي تنتمي للحزب الجمهوري، ليزا موركوفسكي من ألاسكا، لصحيفة محلية الجمعة إن ترامب “يحتاج ببساطة إلى الخروج”. وقال السيناتور الجمهوري بن ساسي، عن نبراسكا، وهو من المنتقدين الدائمين لترامب، إنه سيفكر “بالتأكيد” في عزله.
لكن لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن عددا كافيا من أعضاء حزب الرئيس سيوافق على إدانته.
وهذا يعني أن المساءلة في مجلس النواب قد تكون مجرد إجراء رمزي، لمحاسبة ترامب على حادث اقتحام الكونغرس.
وتقول مذكرة داخلية لمجلس الشيوخ، إن أقرب وقت يمكن فيه أن ينظر في أي لائحة اتهام من مجلس النواب سيكون في 19 من يناير/ كانون الثاني، وهو اليوم السابق لانتهاء ولاية ترامب، وبذلك لا يمكن أن تبدأ محاكمة إلا بعد أن يكون قد تركه لمنصبه.
وينقسم الخبراء الدستوريون بشأن إمكانية استمرار المحاكمة في مجلس الشيوخ في هذه الحالة.
وفي حال إدانته، سيخسر ترامب المزايا الممنوحة للرؤساء السابقين، ويمكن لأعضاء مجلس الشيوخ التصويت لمنعه بشكل دائم من تولي المناصب العامة.
وتأتي هذه الخطوة غير المسبوقة، في الوقت الذي تحصن فيه ترامب في البيت الأبيض يوم الجمعة، ومنعه تويتر، موقع التواصل الرئيسي مع العالم الخارجي، بشكل دائم من التغريد.
وتسبب حصار مبنى الكابيتول في توتر كبار السياسيين، ما دفع نانسي بيلوسي، إلى التحدث إلى أعلى قائد عسكري في البلاد، حول طرق منع ترامب من الوصول إلى الشفرة النووية.
في يوم مثير في واشنطن العاصمة الجمعة، تضمنت التطورات الأخرى ما يلي:
- قال ترامب إنه لن يحضر حفل تنصيب خليفته، جو بايدن، في 20 من يناير/ كانون الثاني الجاري.
- انضم مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى التحقيق في وفاة ضابط الشرطة، بريان سيكنيك، متأثرا بجروح أصيب بها أثناء حصار مبنى الكابيتول.
- قُبض على عشرات الأشخاص ووجهت إليهم تهم تتعلق بالاعتداء على مبنى الكابيتول.
- كشف أحد موظفي بيلوسي عن سرقة جهاز كمبيوتر محمول من مكتبها، أثناء اقتحام الحشود للمبنى.
- كرر الديموقراطيون والعديد من الجمهوريين البارزين دعواتهم، لأعضاء إدارة ترامب لاستخدام صلاحياتهم الدستورية وإقالته من منصبه.
ماذا تقول مسودة قرار الاتهام؟
يتكون مشروع القرار، الذي اطلعت عليه شبكة سي بي إس نيوز الشريكة لهيئة الاذاعة البريطانية من مادة واحدة: “التحريض على العصيان”.
وجاء في المسودة: “شارك دونالد جون ترامب في جرائم كبيرة وجنح، من خلال التحريض المتعمد على العنف ضد حكومة الولايات المتحدة”.
واتهم المشرعون، في مسودة قرار الاتهام، الرئيس بالإدلاء بتصريحات، شجعت وأدت إلى “عمل غير قانوني في مبنى الكابيتول”.
وتقول المسودة أيضا إن هذا “يتسق مع جهوده السابقة، لتخريب وعرقلة” المصادقة على فوز الرئيس المنتخب، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وتقول المسودة: “لقد خان بذلك الثقة فيه كرئيس، ما ألحق ضررا واضحا بشعب الولايات المتحدة”.
وحث الرئيس ترامب أنصاره على الزحف إلى مبنى الكابيتول، في اليوم الذي كان من المقرر أن يصادق فيه الكونغرس على فوز بايدن في الانتخابات، والذي أعلنه سابقا المجمع الانتخابي.
ونظم ترامب مسيرة شكك فيها مرارا في شرعية الانتخابات الرئاسية، زاعما دون دليل أنها “سُرقت” منه.
وقال ترامب للجمهور: “سوف نسير إلى مبنى الكابيتول، وسنشجع أعضاء مجلس الشيوخ الشجعان وأعضاء وعضوات الكونغرس”، وحث مؤيديه على “القتال”.
ويرى الديمقراطيون وبعض الجمهوريين أن هذه الكلمات تصل إلى حد التحريض.
ما هي إجراءات الإقالة؟
تسمح إجراءات الإقالة للكونغرس – أحد أفرع الحكومة الأمريكية المختص بتشريع القوانين – بمحاكمة الرؤساء.
لائحة الاتهام هي التهم الموجهة إلى رئيس من قبل مجلس النواب. وإذا صوت المجلس لتمريرها، تنتقل الإجراءات إلى مجلس الشيوخ، الذي يقرر، عن طريق التصويت، ما إذا كان ستتم الإدانة أم لا.
وهذا حدث نادر وعملية سياسية وليست جنائية. وترامب هو ثالث رئيس أمريكي يتعرض لإجراءات العزل.
ولم تسفر الإجراءات عن إقالة أي من الاثنين الآخرين – بيل كلينتون عام 1999 وأندرو جونسون عام 1868 -وأبقاهما مجلس الشيوخ في المنصب.
أما الرئيس ريتشارد نيكسون فقد استقال قبل أن يتم عزله.
كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
يوم الأربعاء، مع استمرار تأثر واشنطن بأحداث الشغب التي جرت في مبنى الكابيتول، عقد الديموقراطيون مؤتمرا عبر الهاتف تحدثوا فيه لمدة ثلاث ساعات، حول إمكانية إقالة الرئيس من منصبه.
وذكرت شبكة سي بي إس نيوز أن الديمقراطيين يدعمون بأغلبية ساحقة هذه الجهود، باستثناء واحد فقط – وهو “كورت شريدر” ممثل ولاية أوريغون – الذي قال إن مثل هذه الخطوة ستكون مثيرة للانقسام في البلاد.
وأخبرت بيلوسي أعضاء حزبها بأنها تفضل أن تتم إقالة ترامب، استنادا إلى التعديل الخامس والعشرين للدستور، والذي يسمح لنائب الرئيس بالقيام بمهام الرئيس، إذا كان الأخير غير قادر على أداء واجباته بسبب مرض عقلي أو جسدي.
وقالت إنه إذا لم يحدث ذلك، فستكون المحاكمة مطروحة على الطاولة.
وذكرت تقارير إعلامية أمريكية أن وزير الخزانة، ستيفن منوشين، شارك شخصيا في مناقشات حول تطبيق التعديل الخامس والعشرين.
ومع ذلك، يرى البعض أن نجاح مثل هذا الإجراء غير مرجح إلى حد كبير، وليس هناك ما يشير إلى أن مايك بنس، نائب الرئيس، مستعد لاستخدام التعديل.
ووصفت بيلوسي الرئيس ترامب أمس الجمعة بأنه “مختل”، وقالت إن على الكونغرس بذل كل ما في وسعه، لحماية الأمريكيين أثناء توليه منصبه.
وفي بيان لاحق، قالت رئيسة مجلس النواب إن الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب أجرت نقاشا “حزينا ومؤثرا ووطنيا”، حول إمكانية عزل الرئيس.