التكنولوجيا تحتاج البنات.. لكن هل تحب التكنولوجيا البنات؟
يعد التنوع أمرا بالغ الأهمية في مجال التكنولوجيا، لأنه يمكّن المؤسسات والشركات في القطاعين العام والخاص من إنشاء منتجات أفضل وأكثر أمانا، تأخذ حاجات المجتمع كله في الاعتبار.
ووجد تقرير صدر عام 2020 من مؤسسة “ماكينزي” أن الشركات المتنوعة تؤدي أداءً أفضل، ولديها موظفون أكثر تفاعلا، وتحتفظ بالعاملين أكثر من الشركات التي لا تركز على التنوع والشمول، ورغم ذلك فلا تزال المرأة ممثلة تمثيلا ناقصا على نطاق واسع في عالم تكنولوجيا المعلومات.
وترسم الإحصاءات صورة واضحة للتحديات التي تواجهها النساء في الحصول على المساواة في هذا المجال الحيوي، ووفقا لأحدث بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات فإن 30% فقط من المتخصصين في علوم التكنولوجيا على مستوى العالم من النساء، وتستمر الفجوة الرقمية بين الجنسين في الاتساع في العديد من البلدان النامية، مما يخلق حاجة محددة لدعم المساواة الرقمية بين الجنسين.
وعلى الصعيد العالمي، تستخدم النساء والفتيات الإنترنت بنسبة 12.5% أقل من الرجال، كما استخدم 15% فقط من النساء في أقل البلدان نموا الإنترنت عام 2019، مقارنة بنسبة 86% في العالم المتقدم.
الفجوة الرقمية
في هذا العالم المتقدم نفسه، تصبح الفجوة الرقمية كبيرة بين الجنسين أيضا، إذ تشغل النساء 24% فقط من وظائف الحوسبة في الولايات المتحدة، وتبلغ نسبة الخريجات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) نحو 19% فقط، كما تترك النساء صناعة التكنولوجيا بمعدل 45% أعلى من الرجال، وذلك كما ذكرت منصة “داتا بورت” (dataprot) في تقرير لها مؤخرا.
وإذا جئنا إلى شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم، فإن عدم المساواة تبدو واضحة تماما؛ ففي شركة فيسبوك (Facebook) -مثلا- 77% من الموظفين من الرجال، و33% فقط من النساء. ولا تختلف الحال في شركة “آبل” (Apple)، إذ تصل نسبة النساء العاملات في الشركة 30% فقط، كما ذكر التقرير السابق.
يأتي هذا رغم الدور الريادي الكبير الذي لعبته النساء في الثورة الرقمية عالميا، وهناك نساء غيّرن عالم التكنولوجيا للأبد مثل آدا لوفليس أول مبرمجة حاسوب في العالم، أو هيدي لامار مخترعة شبكة “واي فاي” (WIFI)، أو راضية بيرلمان “أم الإنترنت” نفسها، حيث كان لاختراعها الخوارزمية الكامنة وراء الإنترنت التي تعرف باسم “بروتوكول الشجرة الممتدة” (STP) دور أساسي في جعل الإنترنت التي نعرفها اليوم أمرا ممكنا، وذلك كما ذكرت منصة “غلوبال آب تيتستنغ” (Global App Testing) في تقرير لها عن الموضوع.
سد الفجوة الرقمية
بسبب عدم المساواة هذا، ورغبة منها في سد الفجوة الرقمية بين الجنسين على مستوى العالم، خصصت الأمم المتحدة يوما كل عام للاحتفال بـ”اليوم الدولي للفتيات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات”، وذلك خلال الأسبوع الأخير من أبريل/نيسان كل عام، وانصب التركيز في احتفال هذه السنة على “الوصول والسلامة” كعناصر أساسية لإشراك الجيل القادم من الفتيات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وحسب الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية التابع للأمم المتحدة (ITU) عكس موضوع هذا العام “الاهتمام العالمي المشترك بتمكين الشباب والفتيات للاستفادة بأمان من الحياة الرقمية النشطة”.
عدالة ومساواة
تدرك وكالة الأمم المتحدة الحاجة إلى ضمان تمتع الفتيات والنساء بوصول متساوٍ إلى فرص التعلم الرقمي والتقني، لا سيما في البلدان الأقل نموا في العالم، ووفقا لأحدث بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات التي أشرنا لها سابقا فإن 57% فقط من النساء في العالم يستخدمن الإنترنت، مقارنة بـ62% من الرجال.
علاوة على ذلك، إذا كانت النساء غير قادرات على الوصول إلى الإنترنت، ولا يشعرن بالأمان عبر الشبكة الدولية، فإنهن غير قادرات على تطوير المهارات الرقمية اللازمة للانخراط في العالم الرقمي، مما يقلل فرصهن في الحصول على وظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، كما يوضح الاتحاد الدولي للاتصالات في بيان له.
إلهام الأجيال القادمة
وقال الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات هولين جاو إن “يوم الفتيات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يعد دعوة للعمل لإلهام الجيل القادم من الشابات والفتيات للدخول بقوة إلى هذا المجال، والحصول على وظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات”.
ودعا جاو جميع الحكومات والشركات وقادة الجامعات في العالم إلى بذل قصارى جهدهم لدعم الشابات والفتيات، وقال إن هذا ضروري “لمنحهن الفرصة لتحقيق أحلامهن”.
أهمية وصول الفتيات إلى عالم التكنولوجيا
وكررت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أهمية ضمان حصول كل فتاة على وصول آمن وهادف إلى التكنولوجيا الرقمية.
وقالت الوكالة في بيان لها إنها استلهمت من النشطاء الشباب؛ مثل آنا فيزيتيف (18 عاما) من جمهورية مولدوفا، التي يعزز عملها المساواة بين الجنسين في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ومن نموذج آخر مهم يحتذى به هو نموذج رائدة الأعمال الإثيوبية الشابة ذات الـ20 عاما يوردانوس جيناناو، التي شاركت في مبادرة الفتيات الأفريقيات الهادفة إلى تمكين الفتيات للدخول بقوة إلى عالم تكنولوجيا المعلومات، وهي تقوم الآن بتطوير موقع على الإنترنت لتدريب الفتيات الأفريقيات في هذا المجال.
وتابع البيان “هؤلاء الشابات يستخدمن مهاراتهن لإلهام فتيات أخريات لمتابعة العمل وتطوير مهارات تكنولوجيا المعلومات الأساسية، بغض النظر عن التحيز الجنسي”.
وللتذكير، فإن وصول الفتيات ومشاركتهن في مواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أصبح أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى، خاصة بعد جائحة كورونا والأزمات العديدة التي سببتها في مختلف البلدان في جميع أنحاء العالم، والتي خلقت تحديات كثيرة للشابات والفتيات للتعلم والكسب والتواصل، حيث أكدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أهمية التكنولوجيا كحل للوصول إلى الخدمات والمعلومات الأساسية، وفرص التوظيف والعمل.
القوالب النمطية السلبية
أظهرت دراسة حديثة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة والاتحاد الدولي للاتصالات أن الفتيات يصلن إلى التكنولوجيا الرقمية في سن متأخرة عن الفتيان، وأن استخدامهن لهذه التكنولوجيا يتم تقليصه في كثير من الأحيان من قبل الأهل والوالدين.
بالإضافة إلى ذلك، تتعرض الشابات والفتيات بشكل غير متناسب للعنف والمضايقات عبر الإنترنت، مما قد يؤثر سلبا على صحتهن الجسدية والعقلية والعاطفية، ويؤثر على كيفية وصولهن إلى الأدوات الرقمية واستخدامها لبقية حياتهن.
واستنادا إلى فكرة أن “لكل فتاة الحق في أن تكون متصلة وآمنة، وأن تلعب دورها في تشكيل مستقبل تقني أكثر مساواة”؛ دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى ميثاق رقمي عالمي لتحسين التعاون الرقمي.
ويجمع “تحالف جيل المساواة للعمل من أجل التكنولوجيا والابتكار من أجل المساواة بين الجنسين” الحكومات وشركات التكنولوجيا ومنظومة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والشباب من أجل تحول رقمي أكثر مساواة وتنوعا، بما في ذلك منع العنف القائم على النوع الاجتماعي والقضاء عليه عبر الإنترنت .
ودعت أمينة محمد نائبة الأمين العام للأمم المتحدة إلى وضع حد للحواجز المنهجية؛ فلا تزال “الفتيات يواجهن التنمر والتهديدات الإلكترونية، ونقص الوصول بسبب الفجوة الرقمية”، كما طالبت -في تغريدة لها على تويتر- بإجراء تحول في التكنولوجيا والابتكار لتكون “منصفة وآمنة ويمكن الوصول إليها”.
أما عبر منظومة الأمم المتحدة، فقد دعت مختلف الوكالات التابعة للمنظمة الدولية إلى المساواة بين الجنسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
ودعت اليونسكو إلى تمكين الفتيات الصغيرات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حتى يكون لهن دور قيادي في مكان العمل مستقبلا.
وأشارت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أهمية عدم نسيان الوصول الرقمي للاجئين، وأكدت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) الحاجة إلى ضمان وصول أفضل إلى التقنيات الرقمية للنساء والفتيات الريفيات.
انضمي إلى الثورة الرقمية
يؤكد الاحتفال العالمي والفعاليات العالمية المرتبطة بيوم الفتيات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التزام الاتحاد الدولي للاتصالات بتشجيع الفتيات والشابات في كل مكان على التفكير في اتباع مسارات وظيفية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وقالت مديرة مكتب تنمية الاتصالات بالاتحاد الدولي للاتصالات دورين بوجدان مارتن “في جميع أنحاء العالم، ترغب الفتيات والشابات في الانضمام إلى الثورة الرقمية، وعندما نزيل حواجز الوصول والسلامة يمكن للنساء والفتيات تقديم مساهمات ملحوظة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتمكين منها.
وأضافت “بكل بساطة، إن التكنولوجيا تحتاج البنات، والبنات بحاجة إلى التكنولوجيا”.