عالم

قصص وتنبؤات الرعب النووي لدى السينمائيين الغربيين

يعتصر الممرضة الإنجليزية الألم، وهي تحكي باكية كيف تسعف الأطفال الذين تعرضوا لحروق من الدرجتين الثانية والثالثة، حيث تقف وسط عشرات المرضى والأطباء والممرضين الذين يحاولون إنقاذ ضحايا انفجار صاروخ نووي استهدف منطقة ريفية قرب مقاطعة كِنت (Kent) البريطانية خلال الستينيات.

كانت قوات الدفاع المدني والطواقم الطبية قد حاولت -قبل الكارثة- أن تستعد لها، بتوزيع كتيبات توعية على المواطنين الذين ذهبوا للملاجئ، كما أصدرت السلطات أوامر بفتح المنازل غير المأهولة لاستيعاب كل السكان تأهبا لما حدث، لكن القرارات كانت متأخرة في أعقاب تدهور العلاقات بين الغرب والاتحاد السوفياتي والصين بعد أن غزت الأخيرة شرق فيتنام. يتحدث الجميع إلى الكاميرا وكأنهم في لقاء تليفزيوني، وليسوا في فيلم خيالي اسمه “لعبة الحرب” يتحدث عن سيناريو متخيل لما قد يحدث إذا اندلعت حرب نووية بين القوى الكبرى في العالم. والفيلم من إخراج بيتر وتكنسون عام 1966، وإنتاج شبكة “بي بي سي” (BBC) التي رفضت عرضه في حينه، بينما قررت لجنة الأوسكار منحه جائزة أفضل فيلم وثائقي.

يعد هذا العمل أحد الأفلام المهمة في سلسة من الأفلام الغربية التي تناولت قصص الرعب من اندلاع حرب نووية لا تبقي ولا تذر. واعتمد الفيلم على فنيات الدراما الوثائقية، في قالب خيالي يتنبأ بحدث مستقبلي، ويحاكي به مجلة تليفزيونية إخبارية يتجول خلالها الصحفي ليسجل بكاميراته وصوته ما يدور حوله من دون أن يظهر على الشاشة. وقد تزامن في حينه مع انتشار “حركة مناهضة انتشار السلاح النووي”، خوفا من تكرار كارثة قنابل هيروشيما وناغازاكي على اليابان، وهي حركة لا تزال نشطة حتى الآن في بريطانيا وتقوم باعتصامات واحتجاجات مستمرة من أجل تفكيك السلاح النووي. وبقي الفيلم ممنوعا من العرض حتى عام 1986، كما ترك مخرجه العمل في “بي بي سي” بعد هذا المنع، وهاجر ليستقر في فرنسا. وقام بإتاحة كافة أعماله الفنية مجانا للجمهور عبر موقعه على الإنترنت ومنها هذا الفيلم ثم سحبها منذ فترة قصيرة، وأبقى إمكانية مراسلته للحصول على أي منها عبر البريد الإلكتروني.

الغريب أن كثيرا من الأفلام التي تناولت كارثة تشرنوبل لم تنتج في التسعينيات في أعقاب الكارثة، ولكن أنتجت بدءا من عام 2000 أي بعدها بأكثر من 15 سنة. بل إن بعضها لا يرتبط بوقت وقوع الكارثة أو الأحداث المتصلة بها، وإنما بقصص منسوجة من وحي الكارثة، مثل فيلم الرعب الخيالي “يوميات تشرنوبل” المعروض على شبكة “نتفلكيس”

وعلى خلاف الدرامية الشديدة وأجواء الحزن والكارثة التي خيمت على فيلم “لعبة الحرب”، يعد فيلم “دكتور سترينجلوف” أو “كيف تعلمت التوقف عن القلق وأحببت القنبلة” كوميديا سوداء تتناول قصة جنرال أميركي مختل يعمل في سلاح القوات الجوية ويؤمن بوجود مؤامرة من الاتحاد السوفياتي لتسميم سكان في الولايات المتحدة عبر المياه، ويقرر بدء أول هجوم نووي على الاتحاد السوفياتي ليعطي الشرارة الأولى لبدء حرب نووية من دون علم رؤسائه.

يحاول البنتاغون تدارك الأمر وإيقاف الهجوم ووصل الأمر إلى استدعاء السفير السوفياتي ليكون مشاركا في غرفة الاجتماعات ويُبقي رئيس الوزراء السوفياتي معه على الخط لاطلاعه على تطورات الموقف. ويعد الفيلم أفضل فيلم كوميدي في تاريخ السينما على الإطلاق. وهو إنتاج أميركي بريطاني مشترك عام 1964 ومن إخراج وإنتاج المخرج الأميركي الشهير ستانلي كوبريك. المفارقة أن كوبريك اضطر هو الآخر لمغادرة موطنه الأميركي إلى إنجلترا، وكان السبب المبدئي هو الهروب من قيود الرقابة الهوليودية وإخراج فيلم “لوليتا” عام 1962 والمأخوذة عن رواية للكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف تحمل الاسم نفسه، قبل أن يستقر به المقام بعدها هناك وينتج أفلاما أخرى منها فيلم “دكتور سترينجلوف”.

أفلام ما بعد الحرب الباردة

وبعد سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة تضاءلت المخاوف العامة من شن نزاع نووي بين القوى الكبرى، غير أن كارثة مفاعل تشرنوبل السوفياتي -الواقع في أوكرانيا حاليا- عام 1986 أبقت الرعب النووي حاضرا في أذهان السينمائيين الغربيين. فالكارثة أظهرت أن الأمر يتعدى كونه نتاجا عن الاستخدام العسكري لهذا السلاح الفتاك وأن الخطر قائم، وأن الكارثة قد تطل برأسها في أي وقت. وظلت الإنتاجات المتربطة بكارثة تشرنوبل مستمرة حتى وقت قريب، ولعل أشهرها مسلسل “تشرنوبل” عام 2019 المكون من 5 حلقات والمعروض على منصة “أمازون برايم” (Amazon Prime) من إخراج يوهان رينك، وهو إنتاج أميركي بريطاني مشترك بين شركتي “إتش بي أو” (HBO) و”شبكة سكاي” (Sky). وهو دراما تاريخية تحاكي الأحداث التي وقعت في أعقاب الكارثة من جهود رجال الإطفاء والمتطوعين، بالإضافة إلى قصص غير معروفة عن السكان المحليين كانت روتها الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش الحائزة على جائزة نوبل في كتاب “أصوات من تشرنوبل”.

وهناك أيضا الفيلم الوثائقي “نقار الخشب الروسي” 2015، الذي أنتج في أعقاب الثورة الأوكرانية عام 2014 وتتقاطع أحداثه معها. وهو فيلم استقصائي ومن إنتاج أوكراني أميركي مشترك ومن إخراج تشاد جراسيا، ويحكي قصة الشاعر والفنان فيدور أليكسندروفيتش المتضرر من التسريب الإشعاعي لتشرنوبل. ويسعي الفيلم لسبر أغوار الكارثة بأثر رجعي ويرى أن الانفجار كان مدبرا وليس عارضا. كما يحكي عن سلاح سوفياتي سري هائل طوره الكرملين خلال الثمانينيات للتحكم في عقول الناس. حصل الفيلم على جائزة مهرجان “صن دانس” السينمائي الدولي، وكان من الأفلام التي تحذر بشدة من “الغزو الروسي” المرتقب لأوكرانيا بقيادة الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين.

الغريب أن كثيرا من الأفلام التي تناولت كارثة تشرنوبل لم تنتج في التسعينيات في أعقاب الكارثة، ولكن أنتجت بدءا من عام 2000 أي بعدها بأكثر من 15 سنة. بل إن بعضها لا يرتبط بوقت وقوع الكارثة أو الأحداث المتصلة بها، وإنما بقصص منسوجة من وحي الكارثة، مثل فيلم الرعب الخيالي “يوميات تشرنوبل” المعروض على شبكة “نتفلكيس” (Netflix) وهو من إنتاج عام 2012 ومن إخراج برادلي باركر، ويحكي قصة مجموعة شباب يذهبون إلى أوكرانيا من أجل السياحة ويقررون خوض مغامرة الدخول إلى مدينة بريبيات الأوكرانية المهجورة منذ ربع قرن في وقتها منذ اندلاع الكارثة، فتمنعهم القوات الأوكرانية. لكنهم ينجحون في العبور عبر طرق التفافية ليكتشفوا أن هناك كائنات غريبة تسكن المكان وتريد النيل منهم.

مقالات ذات علاقة

زر الذهاب إلى الأعلى