عالم

كيف أضر موسم رمضان بالدراما التلفزيونية العربية؟

1/5/2022|آخر تحديث: 1/5/202206:49 PM (مكة المكرمة)

تحتسي سيدتان فنجانين من الشاي على طاولة داخل مطبخ ويتبادلان الحوار، بينما يدخل نجل إحداهما البيت لتتحول دفة الحوار إلى موضوع آخر. ينهمك الجميع في مناقشة أحد الأمور الحياتية اليومية التي تهم الطبقة المتوسطة الإنجليزية والتي تسكن في شارع خيالي هو “شارع كورونيشن” بمدينة سالفورد التابعة لمقاطعة مانشستر البريطانية؛ وهو اسم مسلسل تلفزيوني يعرض على قناة “آي تي في” البريطانية والذي بدأ عرضه عام 1960 ولم يتوقف حتى الآن. وقد تعاقب عليها ممثلون ومؤلفون وطواقم عمل على مدار العقود الستة الماضية، ولا يزال قادرا على جذب سرائح مختلفة من الجمهور البريطاني رغم تواضع إمكانياته الإنتاجية. ويعد مسلسل “شارع كورونيشن” أطول مسلسل تلفزيوني في العالم لا يزال مستمرا في العرض حتى الآن.

ويمثل هذه المسلسل نموذجا من الدراما المحلية في بلد واحد ليست محصورة بموسم محدد أو بفترة زمنية معينة؛ على عكس الحال في العالم العربي الذي سجن الدراما العربية في شهر رمضان المبارك وسط طوفان من عشرات المسلسلات. فمن الآثار السلبية لحصر الإنتاج السنوي للدراما العربية في شهر رمضان هو التقيد بعدد 30 حلقة للمسلسلات. وهو تقليد يتناقض في أحيان كثيرة مع الخط العام لقصة المسلسل، مما يدعو المؤلف لتطويل الأحداث ومطها بشكل ممل من أجل ملء هذه الحلقات. في حين أن كل التلفزيونات في العالم لا تعتمد معيارا عدديا محددا لعدد الحلقات. فهناك المسلسل ذو الحلقات الثلاث أو الأربع أو العشر أو أكثر أو أقل. العدد هنا يعتمد على الحبكة وتطور الأحداث والشخصيات وليس مجرد تعبئة فترة زمنية.

بالإضافة لذلك يعد الالتزام الإنتاجي بشهر رمضان عبئا كبيرا على الممثلين والمخرجين والمؤلفين الذين يبدؤون غالبا إنتاج المسلسلات قبيل رمضان ويستمرون في العمل أثناء الشهر مما يمثل عبئا إنتاجيا وماليا وشخصيا هائلا. وهو ما ينعكس في غالب الأحوال على أداء الممثلين وطواقم العمل في المسلسلات أثناء التصوير والمونتاج. كما أن الموسم الدرامي الرمضاني لا يسع كافة الممثلين، فتجد كثيرا من النجوم يغيبون عن الشاشة الصغيرة لمدة سنوات لمجرد أنهم لم يجدوا مكانا في أحد مسلسلات رمضان.

أما من الناحية الاجتماعية والإنسانية، فلا توجد دولة في العالم تصر فيها شركات الإنتاج التلفزيوني على السير عكس رغبات قطاع عريض، إن لم يكن الأغلب من الجمهور، الذي يرى تعارضا بين شهر رمضان كموسم روحي مخصص للعبادة وبين أن يكون موسما سنويا لعرض الأعمال التلفزيونية. والقضية هنا لا تتعلق بمدى توافق أو تعارض الأعمال التلفزيونية مع القيم الدينية وروحانيات الشهر الفضيل وإنما الإصرار على إقحام ومزاحمة نشاط ليس له صله برمضان في شهر مخصص للعبادة بشكل أساسي. وهو الأمر الذي يخلق استقطابا اجتماعيا غير محمود بين شرائح المتابعين وغير المتابعين والمرحبين بهذا النوع من الدراما وغير المرحبين، مما يؤثر على النسيج الاجتماعي والتجانس بين شرائح المجتمع.

دور التسويق وشركات الإعلانات

تقود شركات التسويق والإعلانات هذه الحملة الإنتاجية المنظمة سنويا للإنتاج الدرامي في رمضان مدفوعة بحافز الربح في معظم الأحيان. ولم يحدث التوقف للتفكير ولو لبعض الوقت لبحث مواسم أخرى على مدار العام مثل الفصل الصيفي في أغسطس/آب أو أي فترة زمنية خلال العام لتكون محط انطلاق للدراما التلفزيونية. وفي هذه الحالة سيكون العائد المادي أكبر وأقوى خاصة إذا صاحب ذلك حملة إعلانية ضخمة بدلا من التنافس المحموم في شهر واحد.

ولا يوجد أي مبرر فني أو تسويقي للتخمة الدرامية في رمضان سوى تقليد قديم بدأ مع ظهور التلفزيون في العالم العربي ومبادرة القائمين عليه لتقديم محتوى مختلف متميز يتناسب مع شهر متميز هو شهر رمضان. وبدأ الأمر ببعض المسابقات أو الفوازير ثم مسلسل ديني قبل أن يتحول الأمر إلى ظاهرة لا يستطيع أحد إيقافها رغم أضرارها الإنتاجية والفنية والاجتماعية الهائلة.

فمهما بلغت نسبة المشاهدة للأعمال التليفزيونية في شهر رمضان لن تتناسب مع هذا الكم الإنتاجي الهائل من المسلسلات مما يعني أن كثيرا من الأعمال الدرامية تظلم من حيث التوزيع والانتشار وسط هذا الزحام الدرامي. ولذلك تلجأ معظم القنوات لإعادة بث المسلسلات الرمضانية لاحقا على مدار العام. أي أن شهر رمضان تحول إلى مجرد نقطة انطلاق، أو بالأحرى إثبات وجود، لأي عمل درامي أملا في أن يكون من دراما الصف الأول المرتبطة برمضان وليس الصف الثاني التي تعرض على مدار العام.

لقد حرم اللهاث الإنتاجي وراء موسم رمضان الدراما العربية من فرصة التميز لتقديم أعمال تستطيع المنافسة المحلية والدولية على غرار الدراما الكورية والتركية وأخيرا الصينية. وهناك شبه إجماع بين الممثلين والمخرجين والمؤلفين العرب على أن الموسم الرمضاني لعرض الدراما التلفزيونية ضار بهم وبهذا الدراما على كافة المستويات لكنهم مضطرون للانصياع للمتطلبات الإنتاجية التي تفرض هذا النوع من الإنتاج.

وهنا تحتاج الدراما العربية لمن يلقي حجرا في بركتها الراكدة والتي تسير بالقصور الذاتي على غير هدى فيما يتعلق بالموسم السنوي للأعمال التلفزيونية. لا أتصور أن شركات الإنتاج العربية بوضعها الحالي مؤهلة للقيام بهذا الدور نظرا لاعتيادها على هذا النمط الإنتاجي. ولذلك أعتقد أنه لو أخذت إحدى الدول العربية على عاتقها هذه المبادرة وحولت الموسم الدرامي لأي وقت آخر من العام، وأثبت ذلك نجاحا سيكون سببا في تحول المسلسلات العربية من الزحام الإنتاجي في رمضان إلى رحاب أوسع وأكبر على مدار العام. وستكون فرصة للطواقم العمل في هذه الأعمال الدرامية للتركيز على الكيف وليس الكم من أجل تقديم أعمال درامية عربية متميزة تعكس الثقافة العربية والإسلامية محليا ودوليا.

مقالات ذات علاقة

زر الذهاب إلى الأعلى