أعمال

من الأخضر إلى الأحمر.. ما هو الموقف الدولي من قيس سعيد؟

تباينت ردود الأفعال الدولية، حول الإجراءات السياسية التي أعلن عنها الرئيس التونسي، قيس سعيد، في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الماضي في حينها؛ إذ عدها خصومه السياسيون، بالإضافة إلى العديد من المحللين والمراقبين، انقلابًا دستوريًّا، ومن ضمن هذه القرارات: حل الحكومة الحالية، وتولِّيه السلطة التنفيذية، وتجميد أعمال البرلمان، ورفع الحصانة عن البرلمانيين، وجاءت هذه القرارات في ظلِّ أزمة سياسية، واقتصادية، وصحيَّة، عاصفة شهدتها تونس. 

ردود الأفعال الدولية تباينت بين دول دعمت هذه القرارات بصفة مطلقة من منطلق عدائها لـ«حركة النهضة»، المحسوبة على تيار الإسلام السياسي صاحبة أكبر كتلة في البرلمان، والداعمة لحكومة المشيشي، وأخرى عارضتها بصورة واضحة من خلال بيانات رسمية، بينما بقيت العديد من الأطراف الدولية متحفِّظة تجاه هذه الإجراءات، دون أن تصفها بشكل صريح بالانقلاب، فيما دعت العديد من الأطراف الدولية الرئيس قيس سعيد إلى عودة عمل المؤسسات بشكل طبيعي، والآن وبعد مرور قرابة الشهر على هذه القرارات نستعرض كيف كانت مواقف الدول المختلفة المعلنة تجاهها، في حين نحاول أن نفهم ونحلل خلفية تلك المواقف.

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.. «تحت عنوان الديمقراطية» 

بدت الولايات المتحدة الأمريكية متحفِّظة على استصدار موقف واضح من قرارات قيس سعيد فور إعلانها؛ إذ صرَّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض في 26 يوليو (تموز) 2021 بأنه «من المبكِّر وصف ما حدث بالانقلاب من عدمه». كما أجرى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مكالمة مع الرئيس سعيد أكد فيها «ضرورة الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وأكَّد أيضًا «ضرورة الحفاظ على حوار منفتح مع كل الأطراف السياسية والشعب التونسي، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في مراقبة الأوضاع والبقاء على التواصل».

قيس سعيد رفقة قيادات عسكرية في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الماضي

وكان جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، قد أجرى مكالمة هاتفية حينها استمرَّت ساعة مع الرئيس التونسي قيس سعيد، أعرب فيها عن دعم أمريكا للديمقراطية التونسية القائمة على الحقوق الأساسية والمؤسسات القوية والالتزام بالقانون، كما أكد ضرورة العودة السريعة إلى المسار الديمقراطي لتونس. 

أما بالنسبة للموقف الفرنسي من قرارات قيس سعيد، فقد بقي مثار تساؤلات لدى الكثيرين، فعكس باقي الأطراف الدولية، اكتفت ببيان وحيد حول تونس عبر وزارة الخارجية التي دعت قيس سعيد إلى تشكيل حكومة «بسرعة» وإلى العودة الطبيعية للمؤسسات من أجل مجابهة التحديات الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها تونس، واعتبرت الصحافة الفرنسية ما قامت به الحكومة الفرنسية «ضغطًا بسيطًا» على سعيد من أجل إعادة المؤسسات إلى عملها الطبيعي.

وقد تحدَّث الرئيس الفرنسي ماكرون هاتفيًّا مع قيس سعيد في السابع من أغسطس (آب)، وأكد له «وقوف فرنسا إلى جانب تونس والشعب التونسي في هذه اللحظة الحاسمة، من أجل سيادتها وحريتها».

قيس سعيد زار فرنسا في مايو (أيار) 2020، وهي الوجهة الأوروبية الأولى منذ وصوله إلى قصر قرطاج في سنة 2019، بعد جدل كان قد أُثير بشأن لائحة برلمانية كان قد تقدَّم بها «ائتلاف الكرامة» تطالب فرنسا بالاعتذار عن الفترة الاستعمارية في تونس، كما أنَّه وصف الفترة الاستعمارية بـ«الحماية» وليس الاستعمار المباشر كالذي شهدته الجزائر بحسب وصفه، وقال إنه يفضِّل الحصول على مشروعات اقتصادية عوضًا عن الاعتذار، وأشار إلى وجود تقارب فكري بينه وبين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وأشار إلى أن اللائحة البرلمانية «ليست بريئة» خلال لقاء مع قناة «فرانس 24».

وقد حصلت تونس على قرض يبلغ 350 مليون يورو من طرف فرنسا؛ دعمًا للإصلاحات عقب تلك الزيارة، بالإضافة إلى تمويل مستشفيات تونسية، في إشارة إلى دعم فرنسي لتوجُّه قيس سعيد. وأشار محلِّلون، من بينهم الباحث السياسي بولبابة سالم في تصريحه لوكالة الأناضول حينها، إلى وقوف فرنسا إلى جانب قيس سعيد في صراعه مع حركة النهضة التي تمثِّل الإسلام السياسي من أجل تحييدها من السلطة، خصوصًا في ظلِّ تضييق الحكومة الفرنسية على الجمعيات والتنظيمات الإسلامية في الداخل الفرنسي.

بالإضافة إلى وجود صراع بين فرنسا وتركيا على النفوذ داخل تونس؛ إذ ترى فرنسا أن تونس تقع ضمن مجالها الحيوي بوصفها مستعمرة سابقة، كما أنَّها أحد أهم معاقل الفرانكفونية في أفريقيا، في حين تسعى تركيا إلى تعزيز وجودها الاقتصادي والسياسي في تونس وشمال أفريقيا، اعتمادًا على علاقاتها بحركات الإسلام السياسي، بالإضافة إلى الاستثمارات التي تضخُّ1ها.

أما الاتحاد الأوروبي فقد بدا متحفِّظًا على اتخاذ موقف حاسم من قرارات قيس سعيد، ففي الوقت الذي تجنَّب فيه توصيفه بالانقلاب، إلا أنه دعا إلى «إعادة الاستقرار للمؤسسات في أقرب وقت، وإلى استئناف النشاط البرلماني خصوصًا، واحترام الحقوق الأساسية، والامتناع عن كافة أشكال العنف».

وكان رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، بعد إجراءات قيس مباشرة، قد دعا أوروبا إلى الضغط من أجل مساعدة تونس على التخلُّص مما وصفه بـ«الانقلاب» على الديمقراطية، وحذَّر أوروبا من موجة هجرة إلى جنوبها في حالة نجاح الانقلاب.

ويعد الاتحاد الأوروبي أول شريك تجاري لتونس؛ إذ إنه يحوز 63% من المبادلات التجارية، ومثَّلت حصة الصادرات التونسية الموجهة للاتحاد الأوروبي 74%، أغلبها نحو فرنسا وإيطاليا وألمانيا.

الاتحاد الأوروبي كان أحد أهم الأطراف الدولية التي قدَّمت المساعدات الاقتصادية لتونس؛ إذ ساهم بـ1.9 مليارات يورو مساعدات بالإضافة إلى 800 مليون قروض مالية في الفترة ما بين 2014 إلى 2020. لكن الاهتمام بتونس شهد تحوُّلًا خلال السنوات الماضية، إذ انتقل من التركيز على الانتقال الديمقراطي والحريات، إلى التركيز أكثر على مكافحة «الإرهاب» والهجرة غير الشرعية، خصوصًا بعد الأزمات الأمنية التي عرفتها كل من تونس والاتحاد الأوروبي من جراء تهديدات تنظيم «الدولة الإسلامية (داعش)».

مصر والسعودية أبرز الداعمين

أمَّا الدعم الأبرز لخطوات قيس سعيد فقد جاءت من مصر، إذ أكدت في الثالث من أغسطس «دعمها الكامل» لقرارات الرئيس قيس سعيد. وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد التقى الرئيس التونسي، ونقل رسالة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره التونسي، قائلاً إن مصر «تدعم بالكامل تحقيق إرادة الشعب التونسي في إطار دستوري سليم، واستمرار تعزيز مؤسسات الدولة التونسية».

الرئيس التونسي قيس سعيد رفقة وزير الخارجية المصري سامح شكري

وأضاف البيان الذي نشرته صفحة الرئاسة التونسية على «فيسبوك» أن وزير الخارجية سامح شكري قد نقل إلى رئيس الدولة «عبارات الاحترام وتقدير الرئيس عبد الفتاح السيسي، والدعم المطلق للإجراءات التاريخية التي اتخذها رئيس الجمهورية لتحقيق إرادة الشعب، وضمان استقرار تونس، ورعاية مصالحها».

وأضاف البيان: «هذه لحظة تاريخية يضطلع بها شخص يُعلي قيم الديمقراطية وقيم الدستور وقيم المؤسسات، وأهمية الحفاظ على الدولة التونسية لتحقيق إرادة الشعب التونسي واستقراره وأمنه»، ويأتي هذا الدعم المصري لقرارات قيس سعيد في سياق العداء المصري لحركات الإسلام السياسي التي عرفت صعودًا إلى السلطة بعد الربيع العربي، وتعدُّ حركة النهضة أبرزها؛ إذ تملك أكبر كتلة برلمانية في البرلمان التونسي.

لطالما كانت تونس حاضرة بقوّٕة في النقاش السياسي المصري، سواء لرمزيَّتها بوصفها مركز انطلاقة الربيع العربي، والذي سريعًا ما انتقل إلى مصر وكل المنطقة وأدَّى إلى سقوط نظام حسني مبارك، أو من خلال صورتها في المخيال العام الشعبي بوصفها نموذج ناجح للتحوُّل الديمقراطي في العالم العربي، وهو ما يبرز في العبارة المتداولة في الشارع المصري «الإجابة: تونس».

ويرى النظام المصري في «انقلاب» قيس سعيد، ليس فقط تضييقًا أكبر على حركات الإسلام السياسي، بل تصفية حسابات مع الربيع العربي، وقد شبَّه البعض إجراءات سعيد بالانقلاب الذي عرفته مصر سنة 2013 ضد الرئيس السابق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي.

وبالتالي فإن إزاحة حركة النهضة عن المشهد، وتركيز صلاحيات الحكم في يد الرئيس التونسي مجدَّدًا، يملك رمزية خاصة بوصف تونس هي مهد الربيع العربي وآخر قلاعه الصامدة، وهذا ما قد يحمل دلالة بالنسبة للنظام المصري عن إغلاق نهائي لملف الربيع العربي والثورات التي شهدها العالم العربي منذ 2011 والتي انطلقت من تونس.

وقد نقلت صحيفة «ميدل إيست آي» الإلكترونية أن رئيس الوزراء السابق، هشام المشيشي، قد جرى الاعتداء عليه بالضرب من طرف ضبَّاط مصريين في القصر الرئاسي ليلة «الانقلاب» من أجل إجباره على الاستقالة، وأن هؤلاء المسؤولين الأمنيين المصريين كانوا يديرون العمليات أثناء إعلان قيس سعيد «للإجراءات الاسثنائية».

قريبًا من موقف مصر، وقفت السعودية إلى جانب قرارات قيس سعيد من منطلق «احترام المملكة لكل ما يتعلق بالشأن الداخلي التونسي»، وذلك بعد زيارة لوزير الخارجية السعودي إلى تونس، التقى خلالها بالرئيس سعيد، وفي تصريحه الذي أعقب اللقاء، أكَّد «وقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب تونس في كل ما يدعم أمنها واستقرارها».

ودعا وزير الخارجية المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب تونس في هذه الظروف الاقتصادية والصحية الصعبة، في إشارة جرى قراءتها بوصفها دعمًا سعوديًّا ضمنيًّا لقرارات قيس سعيد، خصوصًا وأن السعودية – مثل مصر – تملك موقفًا عدائيًّا من أحزاب الإسلام السياسي القريبة من تنظيم الإخوان المسلمين، ومن بينها حركة النهضة التونسية، والتي تعد أكبر الخاسرين من الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد.

وصفتها بـ«التاريخية».. الإمارات تبارك قرارات سعيد

عبَّرت الإمارات عن دعمها لقرارات قيس سعيد التي وصفتها بـ«التاريخية» من البداية، وذلك خلال لقاء جمع بين الرئيس التونسي قيس سعيد والمستشار الدبلوماسي الإماراتي، أنور قرقاش.

وكانت الإمارات قد اتُّهمت بدعم العديد من المحاولات الانقلابية في تونس، والعمل على إفشال الانتقال الديمقراطي في البلاد، أبرزها تلك التي شارك فيها وزير الداخلية السابق لطفي براهم سنة 2018، بعد اجتماعه بضباط مخابرات إماراتيين لترتيب «انقلاب طبي» ضد الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، من أجل عزله بذريعة المرض.

وكان الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، قد اتهم كلًّا من السعودية والإمارات بالوقوف وراء هذا «الانقلاب» من أجل تصفية الربيع العربي، خصوصًا وأن تونس هي الدولة التي انطلقت منها الثورات العربية في 2011.

عداء الإمارات لحركات الإسلام السياسي بالخصوص، وللتجربة التونسية بصفتها آخر معاقل الربيع العربي؛ دفعها إلى محاولة التأثير في الساحة السياسية التونسية، ودعم الجهات التي تسعى إلى إطاحة الحكومة والبرلمان؛ سواء من خلال تدبير محاولات انقلابية، أو دعم احتجاجات ضد البرلمان من أجل التمهيد لإطاحته؛ وهو ما يجعل موقفها الأخير من «انقلاب» قيس متوقَّعًا.

وكان رئيس الحركة، راشد الغنوشي قد دعا التونسيين إلى «الدفاع على الثورة وإنهاء الانقلاب»، كما اتهم الإمارات بدعم خطَّة الرئيس سعيد للاستحواذ على السلطة، وقد احتفت العديد من الصحف والمواقع الإماراتية بخطوة قيس سعيد وعدُّوه انتصارًا جديدًا ضد حركات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين.

تركيا تستنكر «تعليق العملية الديمقراطية»

الحكومة التركية كانت من أكثر البلدان التي انتقدت انقلاب قيس سعيد الدستوري، وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قد استنكر ما سمَّاه «تعليق العملية الديمقراطية في تونس»، كما أكَّد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم موقف تركيا الرافض للانقلابات في كل مكان.

وقد أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لنظيره التونسي قيس سعيد، أن من المهم «استمرار البرلمان التونسي بأعماله رغم كل الصعوبات»، ورغم الانتقادات التي وجَّهتها تركيا تجاه قرارات قيس سعيد، فإن التواصل بين الطرفين لم ينقطع، ولم تتَّجه تركيا إلى تصعيد الموقف أو القطيعة مع تونس.

وتملك تركيا علاقة مميَّزة مع «حركة النهضة»، الحزب الذي يملك أكبر كتلة أعضاء في البرلمان التونسي؛ وبالتالي الأكثر تضرُّرًا من قرارات قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وكان رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، قد تلقى انتقادات لاذعة بسبب زيارته إلى تركيا في يناير (كانون الثاني) 2020 ولقائه الرئيس أردوغان في جلسة مغلقة، مباشرة بعد فشل المصادقة على حكومة الحبيب الجملي.

ومن المُلاحظ أن تركيا قد اتَّخذت موقفًا أقل خشونة تجاه الانقلاب الدستوري الذي قاده قيس سعيد ضد حركة النهضة، حليفة تركيا، فعكس الموقف المتصلِّب تجاه عزل الجيش المصري للرئيس السابق، محمد مرسي، سنة 2013، أبقت تركيا على علاقتها مع الرئيس قيس سعيد، وأجرى الرئيس أردوغان اتصالاً هاتفيًّا معه، رغم البيانات التنديدية التي صدرت من قيادات النظام التركي لإجراءات سعيد «الاستثنائية».

رهان المحور التركي على قوى الربيع العربي، والتعثُّر الذي شهدته في العديد من البلدان جعلتها تتجنَّب المواقف الحديَّة على الأرجح تجاه الأحداث الأخيرة في تونس، بوصفها آخر معاقل الربيع؛ ورغم تنديد القيادة التركية بقرارات قيس سعيد وحضِّه على عودة عمل المؤسسات، فإنها لم تقطع حبل التواصل معه؛ وقد تكون حسابات التنافس مع فرنسا – المنافس التقليدي لتركيا في العديد من الساحات – أحد محدَّدات الموقف التركي الليَّن تجاه إجراءات قيس سعيد؛ وهذا من أجل عدم خسارة العلاقات مع تونس أو دفعها للتقارب أكثر مع فرنسا، منافِسة تركيا الرئيسية في شمال أفريقيا.

الجزائر..«شأن داخلي.. وننتظر قرارات مهمَّة لسعيد»

أما الجزائر فقد أكدت متابعتها لتطوُّرات المشهد في تونس، وفي الوقت الذي أعلنت موقفها التقليدي الذي ينصُّ على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فإن بيانًا للرئاسة المصرية إثر زيارة وزير الخارجية الجزائري لمصر، ذكر فيه «التوافق في هذا الصدد نحو الدعم الكامل للرئيس التونسي قيس سعيد، ولكل ما من شأنه صون الاستقرار في تونس وإنفاذ إرادة واختيارات الشعب التونسي الشقيق؛ حفاظًا على مقدراته وأمن بلاده».

الجار الغربي لتونس كان دائمًا قريبًا من الساحة السياسية التونسية، سواء من خلال المساعدات التي قدَّمتها للدولة التونسية لمواجهة أزمة جائحة كورونا، أو المساهمات الاقتصادية المالية من خلال الوديعة التي ضخَّتها في البنك المركزي التونسي المقدَّرة بـ150 مليون دولار في فبراير (شباط) من السنة الماضية. كما أن الجزائر قد لعبت دورًا مهمًّا خلال السنوات الماضية في مساعدة تونس على مجابهة الحركات الجهادية المسلَّحة، خصوصًا وسط الأزمة السياسية والأمنية التي كانت تعيشها البلاد.

ولم تعلن الجزائر دعمًا صريحًا لقرارات قيس سعيد الأخيرة، كما لم تعترض عليها بشكل رسمي، ولكنها فضَّلت التعامل معها في الغرف المغلقة تماشيًا مع مبدأ السياسة الخارجية الجزائرية القائم على عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول، وكان قيس سعيد في اتصال مع الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في 31 يوليو الماضي، قد أشار أن «قرارات مهمَّة ستصدر قريبًا».

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كان قد اعتبر في مقابلة صحفية تلفزيونية، أن ما يحدث في تونس «شأن داخلي»، وأكَّد مواصلة دعمه للرئيس قيس سعيد، كما أشار إلى أن سعيد أبلغه بـ«أمور لا يمكن البوح بها»، وانتقد ضمنيًّا النظام السياسي البرلماني الذي يقرُّه دستور تونس، وعده غير ملائم لدول العالم الثالث، مما يشير إلى تفهُّم النظام الجزائري لخطوة قيس سعيد.

كما أن الدبلوماسية الجزائرية تتَّخذ مبدأ تجنُّب الانخراط في «سياسة المحاور»، إذ تفضَّل الحفاظ على مسافة واحدة من جميع الأطراف، مما يتيح لها الوساطة، ويفتح لها أبواب العمل الدبلوماسي وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، كما توسَّطت من قبل أثناء الأزمة بين حركة النهضة والرئيس السابق الباجي قايد السبسي.

مقالات ذات علاقة

زر الذهاب إلى الأعلى