كييف (أ ف ب) – يرفض مدرب القيادة الأوكراني أندريي أتامانيوك أي مساعدة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تعهّد مكافحة “التمييز” ضد الناطقين بالروسية في أوكرانيا.
“أبدا” يقول أتامانيوك بالروسية، موضحا “ليس هناك من يحتاج إلى إنقاذ هنا. ليس هناك تمييز. إنه كلام فارغ”.
والمعاملة التي يلقاها أبناء الاتنية الروسية وكثر منهم يقيمون في جنوب شرق أوكرانيا تحوّلت إلى هاجس لدى بوتين منذ الثورة المؤيدة للاتحاد الأوروبي التي أخرجت كييف من فلك موسكو في العام 2014.
ولكن هذه القضية تحظى باهتمام متزايد في حين يسعى الكرملين إلى وضع حد لتوسع حلف شمال الأطلسي في جمهوريات سوفياتية سابقة مع نشره أكثر من مئة ألف عسكري في المنطقة الحدودية بين روسيا وأوكرانيا.
ويخشى محلّلون وحكومات غربية من استخدام بوتين ذريعتي اللغة وإساءة معاملة أبناء الاتنية الروسية لشن حرب واسعة النطاق ضد أوكرانيا.
ويوافقهم أتامانيوك الرأي. ويقول إن “هذه القصص الخيالية عن اللغة ليست إلا حجة للغزو”، مضيفا “ليس هناك ما يتعيّن على بوتين أن يعالجه هنا”.
“الوطن الأم”
وأصبحت الأوكرانية اللغة الرسمية في الجمهورية السوفياتية السابقة إبان إقرار الرئيس ميخائيل غورباتشيف إصلاحات على صعيد الحريات الديموقراطية في العام 1989.
وأدى انهيار الاتحاد السوفياتي بعد عامين من ذلك إلى فوضى اقتصادية على نطاق واسع بحيث أصبحت قضايا اللغة تافهة مقارنة بالمشاكل الأخرى، فوضعت جانبا.
لكن ضم الكرملين شبه جزيرة القرم في العام 2014 والانتفاضة الذي اندلعت في الشرق الأوكراني حينها حرّكت الشعور الوطني وأعادت نكء جراح الماضي.
وأطلقت الحكومة المدعومة من الغرب في كييف مسارا تشريعيا يرمي إلى تعزيز اللغة الأوكرانية في التلفزيون وفي الشوارع.
في المقابل بدأ الكرملين يبدي استياءه إزاء تقارير تفيد باضطهاد حكومة كييف أبناء الاتنية الروسية متّهما أوكرانيا باتّباع نهج النازية الجديدة.
واعتبر بوتين في وقت سابق من شباط/فبراير الحالي أن الروس “غير معترف بهم بصفتهم سكانا أصليين في أراض هي عمليا وطنهم الأم”.
“حرب هجينة”
وتفرض الأنظمة المعمول بها حاليا على المنشورات الصادرة باللغة الروسية إصدار نسخ بالأوكرانية بالمحتوى نفسه.
لكن القانون يثير حفيظة بوتين لأنه يستثني وسائل الإعلام الناطقة بالإنكليزية في أوكرانيا.
واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن القانون الجديد يثير “المخاوف”.
لكن المنظمة ومقرها نيويورك تشدد أيضا على أن “للحكومة الأوكرانية كل الحق في تشجيع لغة الدولة وتعزيز هويتها الوطنية”.
لكن إيجاد توازن بين تحقيق هذا الهدف وعدم استفزاز بوتين ينطوي على صعوبات، نجح المقاول في قطاع تكنولوجيا المعلومات والناشط في مجال العمل الخيري يفغيني أوتيكن في تذليلها.
ويقول أوتكين إنه يتحدّث الروسية “من منطلق مبدئي لأنّي أحبها كثيرا”.
لكن ذلك لم يحل دون تقديم خدماته للحكومة الأوكرانية أو دون مشاركته في برامج سياسية حوارية على شاشات التلفزة.
ويقول أوتيكن “لم تواجهني على الإطلاق، ولو مرة واحدة، أي مشكلة على صلة بواقعة تحدّثي الروسية”.
لكنّه يبدي قلقه إزاء محاولات لتعزيز مكانة اللغة الأوكرانية، معتبرا أن بوتين سيستغلّها وسيستخدمها ذريعة في الهجمات الإعلامية التي يشّنها الكرملين ضد كييف.
ويضيف أوتكين “اللغة هي ببساطة رصاصة إضافية في الحرب الهجينة التي تشنّها روسيا” ضد أوكرانيا، موضحا “هناك حرب إعلامية تُشن في أذهاننا”.
“مقالة بوتين”
ويأتي التصعيد الراهن بين الكرملين والغرب بعد أشهر على نشر بوتين مقالة مطوّلة في تموز/يوليو بعنوان “حول الوحدة التاريخية بين الروس والأوكرانيين”.
وجاء في النسخة الإنكليزية من هذه المقالة أن “تشكيل دولة أوكرانية نقية عرقيا ومعادية لروسيا، يمكن تشبيه تبعاته بعواقب استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدنا”.
واعتبر محلّلون كثر أن هذه المقالة هي بمثابة حجة بوتين لتجريد أوكرانيا من استقلالها وإخضاعها لسلطة الكرملين.
ووجّه مؤرخون كثر انتقادات لمقالة بوتين معتبرين أنها تفتقر إلى الكثير من الدقة.
واعتبر المؤرخ والكاتب في جامعة ييل تيموثي سنايدر أن “الدعاية السياسية الروسية تعتمد على الخرافات واللاواقعية، في توجه نحو التشديد على عظَمة روسيا وبراءتها”.
ويعتقد محلّلون كبار في أوكرانيا أن الهوة بين البلدين كبرت إلى حد بات يستحيل معه إعادة توحديهما بالقوة.
ويقول أوتكين إن “الحرية أصبحت في الحمض النووي الأوكراني. والمشكلة هي ان النخب الروسية لا تفهم ذلك”.
ويقول الكاتب الأوكراني أندري كوركوف صاحب النتاج الأكثر مبيعا باللغة الروسية لوكالة فرانس برس إن الروس “عقليتهم جماعية” في حين أن عقلية الأوكرانيين “فردية”.
© 2022 AFP