تعيش القارة الأوروبية خصوصا، والعالم بشكل عام وضعا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، فلأول مرة منذ 77 عاما تقوم دولة بشنّ هجوم على دولة أخرى في القارة العجوز التي اعتقدت أنها ودعت عصر المعارك الدموية الطاحنة بين الدول للأبد.
روسيا تدخل أوكرانيا، وأوروبا ترتعد من الخطر القادم من الشرق، وتتطلع إلى زيادة دفاعاتها بشكل كبير لمواجهة الخطر الروسي؛ ربما كان هذا هو العنوان الرئيسي للمرحلة بمجملها.
وفي هذه الحرب، كان سلاح الدبابات هو أحد الأسلحة الرئيسية التي استخدمها الجيش الروسي في حربه على أوكرانيا، ولا عجب في ذلك، فروسيا تمتلك أكثر من 13 ألفا و300 دبابة، وحوالي 20 ألف عربة قتال مصفحة، وما يقرب من 6 آلاف قطعة مدفعية كما ذكرت منصة “آي نيوز” (I News) في تقرير لها مؤخرا.
ولمواجهة هذا الخطر، تحتاج إلى سلاح نوعي كي تستطيع إيقافه وتحجيم هذه الميزة التكتيكية التي يمتلكها الجيش الغازي، واستعادة توازن القوى؛ وهنا يبرز إلى السطح سلاح مصمم خصيصا لقنص الدبابات وتدميرها، وهذا السلاح هو جيل جديد فتاك من الأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات تصنعه شركة “ساب” (SAAB) السويدية التي أطلقت عليه اسم “أنلو” (New generation Light Anti-tank Weapon [NLAW]).
بدأ تصنيع هذا السلاح في المملكة المتحدة عام 2002 بالتعاون ما بين الشركة السويدية والجيش البريطاني الذي اختار شركة “ساب” لتصنيعه، نظرا لخبرتها السابقة في مجال صنع الأسلحة المحمولة المضادة للدبابات.
وكانت شركة “بوفورز” (Bofors) -وهي شركة استحوذت عليها ساب- قد طورت عام 1999 سلاحا جديدا محمولا مضادا للدبابات، للمشاة السويدية الميكانيكية التي كانت تفتقر حينها إلى كل من الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات.
وسرعان ما استحوذ النظام المشار إليه باسم “إم بي تي لو” (MBT LAW) على اهتمام وزارة الدفاع البريطانية التي وقعت عقدا مع الشركة السويدية لتصنيع السلاح الجديد الأكثر تطورا من النظام السابق، والذي جاء تحت اسم “أنلو” (NLAW) عام 2002، بحسب ما ذكرت منصة “ميليتاري تودي” (military-today) مؤخرا.
منذ ذلك الوقت، اشترت هذا النظام الجديد دول عديدة في العالم وأدخلته إلى منظومتها الدفاعية، ومن بينها -إضافة إلى السويد والمملكة المتحدة- كل من فنلندا وإندونيسيا وماليزيا وسويسرا ولوكسمبورغ، كما تم تزويد الجيش الأوكراني به مؤخرا إثر حملة الدعم العسكري الواسعة النطاق التي يتلقاها من الدول الغربية لمواجهة الجيش الروسي.
ونقدم لكم فيما يأتي 5 حقائق قد لا تعرفونها عن هذا السلاح الفتاك، كما ذكر موقع شركة ساب الصانعة للسلاح.
جندي واحد يكفي
سلاح خفيف للغاية فهو يزن 12.5 كلغم فقط، ويحمل على الكتف ويمكن استخدامه بواسطة مشغل واحد، ورأسه الحربي الخارق للدروع قادر على تدمير دبابة قتال حديثة محمية ومدرعة بشدة بطلقة واحدة فقط، والنظام فعال في نطاق يتراوح بين 20 إلى 800 متر.
وفي هذا السياق، يقول لارس أورجان هوفبرانت مدير المبيعات في شركة ساب السويدة المصنعة للسلاح: “إن هذا المزيج من المرونة وسهولة الحركة والقدرة التدميرية العالية قد غيّر قواعد اللعبة للأبد”، فأنت لا تحتاج إلى فصيلة كاملة لمهاجمة دبابة واحدة أو مجموعة من الدبابات كما كان يحدث سابقا، “يمكنك تدريب جندي واحد فقط على استخدام النظام في غضون ساعة، وبعد ذلك ما على هذا الجندي سوى أن يكمن خلف أي صخرة أو شجرة أو منزل بانتظار وصول الدبابة، ليدمرها في الحال ثم ينتقل ليصطاد الدبابة التي تليها”.
ويوضح هوفبرانت: “في السابق كان من الممكن تعقب وتدمير فصائل تدمير الدبابات، أما الآن ومع هذا السلاح الجديد فمن الصعب جدا -إذا لم يكن من المستحيل- تعقب الجندي الذي يحمل السلاح على كتفه ويتنقل بسهولة وسرعة من مكان إلى آخر، هذا تهديد يصعب جدا تحديد موقعه، وأكثر فتكا، وقادر على إيقاف دبابات العدو بسهولة”.
تكنولوجيا متقدمة تصيب الهدف بدقة
كان أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الأسلحة المضادة للدبابات في البيئات والتضاريس الصعبة والمعقدة هو القدرة على إصابة الهدف بدقة في ظل وجود العقبات الطبيعية، ومصادر الحرارة، وخطوط الطاقة، وحركة المركبات الأخرى في ساحة المعركة.
لكن مع “أنلو” لا حاجة لكل ذلك، فهذا السلاح الجديد لا يعتمد على نظام البحث عن الهدف، بل هو الوحيد الذي يعتمد على “تقنية خط الرؤية التنبئية” (predictive line of sight technology) التي تتضمن مستشعرات مغناطيسية وبصرية قادرة على تحديد الهدف بدقة، حيث يقوم النظام بحساب المسافة إلى الهدف وسرعة تحركه، وما على الجندي سوى تتبع هذا الدبابة لبضعة ثوان قبل إطلاق النار، ليقوم النظام بالباقي فيلاحق الدبابة حتى تدميرها كاملة.
وتقنية خط الرؤية التنبئية (PLOS) هو طريقة لإصابة الأهداف المتحركة، عن طريق تتبع الهدف لفترة قصيرة من الوقت (3-5 ثوان)، وخلال هذه الفترة يتم جمع البيانات في البرنامج الموجود في القاذفة، مما ينتج عنه تنبؤ المسار المطلوب لاعتراض الهدف المتحرك.
ويتم رسم مسار الصاروخ مع الأخذ بالاعتبار جميع التضاريس عند إطلاقه، وهو يستخدم نظام الملاحة الذاتي للطيران، ويتم فيه ضرب الهدف إما عن طريق الاستهداف المباشر أو تفعيل تفجير الرأس الحربي.
وعلى سبيل المثال، في حالة اختباء الدبابة خلف حائط، يمكن للصاروخ التحليق وتفجير نفسه فوقها مباشرة، نظرًا لأن الدرع العلوي للدبابة رقيق جدًا، ولذلك فإن احتمال تعطيل أو إصابة أفراد الدبابة المختبئة كبير جدا.
ويوضح هوفبرانت: “لنفترض أنك في منطقة معقدة حيث تمت إصابة عدد من المركبات ولديك مركبة محترقة أمامك على بعد 50 مترا، والهدف الحقيقي على بعد 150 مترا، فما عليك سوى تبديل مسافة الذراع إلى 100 متر، وسوف يطير الصاروخ من فوق المركبة المحترقة التي تعترض طريقه ثم يبدأ في البحث عن الهدف حتى يجده ويدمره”.
وتستخدم هذه التقنية بشكل خاص في العمليات الحربية، لكن بدأ مؤخرا استخدامها في أنظمة السيارات الذاتية القيادة، حيث ترسم هذه الخوارزمية مسار السيارة، مع بعض التعديلات على المعايير والأهداف.
لا مكان للاختباء
وفي حين أن العديد من الصواريخ المضادة للدبابات الأخرى تحتاج إلى مساحة مناسبة للارتفاع أولا قبل شن هجوم علوي على الدبابة المعادية، فإن القدرة على الارتفاع في “أنلو” فعالة على مدى 20 مترا مما يجعله فتاكا على المدى القصير، وحتى لو كانت الدبابة المعادية مختبئة تحت غطاء فإن الصاروخ يطير نحو متر فوق الدبابة قبل أن يشن هجومه المدمر عليها، كما أن النظام فعال للغاية في المواقف التي لا يستطيع فيها المشغل رؤية سوى جزء صغير من سطح الدبابة.
يقول هوفبرانت: “إذا تم إخفاء الدبابة بشكل شبه كامل مع وجود هوائي مرئي لها فقط، فما على الجندي المشغل سوى استهداف هذا الجزء الصغير جدا المرئي من الدبابة المختبئة ليطلق النار، وسيقوم الصاروخ بالباقي، حيث سيطير على ارتفاع متر واحد من خط الرؤية قبل إخراج الدبابة من ساحة المعركة.
فعّال من أي مكان ليلا أو نهارا
الأسلحة السابقة المضادة للدبابات والدروع كانت تحتاج إلى مساحة معينة للعمل، وإلى بيئة مفتوحة. لكن مع هذا النظام، فإن الصورة تغيرت بالكامل، فهو بسبب خفته ومرونته وحاجته إلى مشغل واحد فقط، قادر على مهاجمة الدبابات المعادية من أي مكان: من سطح مبنى أو من خلف شجرة أو من داخل حفرة، كما يمكنه أيضا إطلاق النار بأمان من داخل الأماكن المغلقة، مثل الغرف، وحتى مع وجود جنود أو أشخاص آخرين.
يقول هوفبرانت: “يمكنك أن تكون في أي مكان. يمكنك إطلاق النار بزاوية 45 درجة، ويمكنك إطلاق النار من داخل مبنى أو من الطابق السفلي أو من الطابق الثاني أو من أي مكان مهما كان. والنظام فعال بنفس القدر ليلا أو نهارا”.
تدمير أهداف مختلفة
هو سلاح مخصص لقنص الدبابات، ولكنه فعال أيضا ضد مجموعة من الأهداف الأخرى مثل الشاحنات والحافلات وحتى المروحيات، كما له ميزة مهمة أخرى وهي وقت الاستجابة السريع.
يقول هوفبرانت: “بالنسبة إلى جندي مدرب، فإن الأمر لا يستغرق سوى 5 أو 6 ثوانٍ فقط لنقل السلاح من يده إلى كتفه والتصويب وإطلاق النار، كما يمكن أن يغطي الصاروخ 400 متر في أقل من ثانيتين، وهذا سريع جدا”.
ساب.. من صناعة الطائرات إلى السيارات إلى الإفلاس
بقي أن نذكر نبذة عن تاريخ شركة ساب التي صنعت هذا السلاح الفتاك، حيث تُعرف الشركة على نطاق واسع في العالم على أنها شركة لصناعة السيارات، ولكن الحقيقة أنها كانت قد أنشئت عام 1937 لغرض محدد هو بناء وصناعة طائرات حربية للقوات الجوية السويدية، ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها، بدأت الشركة في البحث عن أسواق وأفكار جديدة للتوسع فيها، حيث بدأت عام 1945 إنتاج أول سيارة من صنعها، وهي من نوع ساب 92 التي ظهرت إلى النور عام 1949، وسرعان ما اشتهرت السيارات التي تصنعها هذه الشركة في مختلف أرجاء العالم، كما ذكرت منصة “توب سبيد” (TopSpeed) مؤخرا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1989، أعلنت شركة جنرال موتورز أنها قد اشترت 50% من أسهم ساب بمبلغ 600 مليون دولار مع خيار الحصول على بقية الأسهم، ولكن هذا الاستحواذ كان بمثابة لعنة على الشركة السويدية التي اعتبرت نفسها صانع سيارات نخبويا، يمكنه منافسة أسماء مثل أودي، لكن جنرال موتورز أرادت أن تعتبرها مجرد فرع آخر لبيع السيارات لها في أوروبا.
ومع المشاكل المالية الكبيرة التي كانت تعاني منها جنرال موتورز، فقد أعلنت الشركة عام 2010 عن صفقة بيع العلامة التجارية ساب إلى الشركة الهولندية سبايكر التي لم توفق هي أيضا في إعادة ساب إلى المسار الصحيح، حيث أعلنت ساب عن إفلاسها عام 2011.
وقال مجلس إدارة الشركة الهولندية إن مجموعة يانجمان الصينية أعلنت أنها ستسحب خططها للاستثمار في ساب، وأن إشهار الإفلاس يحقق أفضل مصالح لدائنيها.
وكان العنصر الحاسم في قرار يانجمان هو ما أعلنته شركة جنرال موتورز الأميركية للسيارات، المالك السابق لساب، أنها لن تسمح بأن يتم بيع تكنولوجياتها المستخدمة في ساب لمستثمرين صينيين.
وتوقفت الشركة عن إنتاج السيارات تماما منذ عام 2012، بعد أن توقفت شركات قطع غيار السيارات عن تزويدها بسبب عدم دفع المقابل المادي اللازم.