سيؤدي تعزيز السلامة والراحة إلى تشكيل سيارات مختلفة تمامًا عن تلك الموجودة اليوم، وهذا ما تتطلع له صناعة السيارات في خططها المستقبلية.
يقول الكاتب سيلفان ريسر، في تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية، إنها تبدو مثل مشاهد خيال علمي، حيث لم يعد سائقو السيارات يمسكون عجلة القيادة بأيديهم، بل يمسكون بجريدة أو مجلة، ولا ينظرون حتى إلى الطريق عن اليمين واليسار، كما لا يحتاجون إلى الضغط على الدواسات، وأحيانًا فد تنغلق جفونهم، بينما تتواصل المركبات مع بعضها بعضا ومع البنى التحتية، كما تتصرف من دون أي تدخل بشري وتتخذ القرارات مكان السائق، فتزيد في السرعة، وتضغط على المكابح، وتنعطف وتصف السيارة بمفردها.
وبيَّن الكاتب أنه بفضل التقدم في الذكاء الاصطناعي والأنظمة المساعدة في القيادة التي تغزو سياراتنا، فإن هذا السيناريو في طريقه إلى أن يصبح حقيقة واقعة، مشيرًا إلى أن الأمر لا يتعلق هنا بإدانة هذا التطور أو الترحيب به، بل يتعلق بفهم ينابيع هذه الثورة غير المسبوقة.
وأوضح الكاتب أن المجتمع تخلى عن تعلم القيادة وأصبح مشتت التركيز على الطرق وأقل انضباطًا ويفتقر إلى متعة القيادة.
وأضاف أن هذه السيارات المستقبلية تسمح لك بالقيام بكل شيء عدا القيادة، فعقلها الإلكتروني مصمم لتشكيل مستقبل خال من الاصطدامات، ونظرًا لأن السائقين متهورون ومهملون للغاية، سيكون من الأفضل المراهنة على السيارة ذاتية القيادة، التي أصبحت قضية اجتماعية بعد أن أصبحت التكلفة البشرية والمالية للحوادث لا تطاق.
وتتوقع الدراسات التي أجرتها الإدارة الوطنية للسلامة على الطرق السريعة في الولايات المتحدة، انخفاضًا بنسبة 80% في الحوادث بحلول عام 2035 بفضل السيارات ذاتية القيادة.
وأكد الكاتب أنه إذا لم يعد المجتمع قادرًا على اعتبار مآسي الطرق بمثابة قدر محتوم، فإنه يرى أيضًا أن القيادة مضيعة للوقت. وبالتالي ستمكنك السيارة ذاتية القيادة من استغلال الوقت الضائع والقيام بمهام أخرى، وهو أمر سيئ للغاية بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يرون القيادة على أنها متعة؛ فغدًا، ستعمل السيارة على قضبان افتراضية. وبطريقة ما، سيعاد اختراع القطار.
وفي المقابل، يبرز مصنعو المعدات في المقدمة لتولي زمام هذه التطورات، وفي هذا الصدد، قدمت شركة “فاليو” (Valeo) الفرنسية الموردة للسيارات أحدث ابتكاراتها إلى بعض الشركات المصنعة.
القيادة الذاتية
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حصلت شركة مرسيدس على أول موافقة دولية على طرح تقنية القيادة الذاتية من المستوى 3 لطراز “مرسيدس إس” (Mercedes S)، حيث تكون القيادة باستخدام نظام القيادة الذاتية بسرعة تصل إلى 60 كيلومترا في الساعة، أي في حالات الازدحام المروري على مساحات مناسبة من الطريق السريع.
وستطلق مرسيدس نظامها في ألمانيا في النصف الأول من العام، وبالتوازي مع ذلك، ستسعى للحصول على موافقة الجهات التنظيمية في كاليفورنيا ونيفادا في وقت لاحق من هذا العام.
إضفاء الطابع الكهربائي
قبل فرض حظر على بيع المركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي الذي تريده المفوضية الأوروبية لعام 2035، يجب أن يواجه قطاع السيارات مسارًا من التخفيض الشديد في البصمة الكربونية؛ مما يجعل من الضروري إضفاء الطابع الكهربائي على جزء كبير من العرض.
يتمثل التحدي في تقديم هذا العرض بسعر مناسب، لذلك تراهن فاليو على التهجين المعتدل بناء على اعتماد شبكة كهربائية ثانوية بجهد 48 فولتا، ومن خلال تثبيت النظام الكهربائي على المحور الخلفي لمحرك الدفع الأمامي، يتم تحسين استعادة طاقة الكبح، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث يمكن التنقل على 4 عجلات، وبالتالي، يصبح الطابع الكهربائي مساندًا للأمان.
إضاءة ذكية
وأبرز الكاتب أن هذه السيارات مزودة بتقنية “ليد” (LED)، إذ لم تعد الأضواء تسمح لك بالرؤية والاطلاع فقط، فهي تؤدي أيضا وظيفة الاتصال، حيث ستصبح المصابيح جزءًا لا يتجزأ من العلامة التجارية، وعنصرًا مميِّزًا للسيارة، يمكن التعرف عليها من بين آلاف السيارات غيرها.
بالإضافة إلى ذلك، ستجعلها الرقمنة قابلة للتخصيص. فمع السيارة الكهربائية، التي تستغني عن المشعاع في الشبك، ستكون الإضاءة قادرة على الامتداد على مساحة أكبر. ولكونها متصلة بالإنترنت، تسهم الأضواء أخيرًا في تحقيق السلامة، فستنبه السائق ومستخدمي الطريق الآخرين -ولا سيما المشاة وراكبي الدراجات- إلى وجود خطر، وستعرض الأضواء الرسائل والمعلومات والصور التوضيحية على الطريق بمجرد أن تسمح اللوائح بذلك.
وإلى جانب ذلك، يمكن تحذير المركبة التي تسير خلفك من أن هناك سيارة تعطلت على جانب الطريق أو أن سيارة أخرى تقترب من الأمام. وهنا مرة أخرى، يتعلق الأمر بالتعويض عن إهمال السائق ومساعدته على اتخاذ القرار.
إعادة النظر في التصميم الداخلي
تفكر شركة فاليو، مثل الشركات المصنعة للمعدات الأخرى، في اعتماد الأسطح المصقولة وإخفاء الأزرار. ففي اللوحة المركزية، ستظهر الوظائف عند الطلب فقط من خلال إضاءة مناطق معينة فقط.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحويل مقصورة الركاب إلى عالم غامر من خلال عرض الصور على لوحة العدادات وعلى سطح السيارة. وبالاعتماد على عرض الفيديو، لا تزال التكنولوجيا في بداية المرحلة التجريبية فقط، ولكن قدراتها واسعة جدًّا بالفعل. فمع هذا النظام، ستختفي جميع الأزرار المادية لصالح العناصر الحسية.
وأشار الكاتب إلى أن عرض الصور والأيقونات يفتح على الأسطح الداخلية للسيارة مجالًا هائلًا من التطبيقات، مضيفًا أنه في شركة فاليو، يعتقد المهندسون أن هذا قد يكون منطقيًّا في سياق الاستخدام المشترك للسيارات. وللدفع بنسبة أقل مقابل الخدمة، سيكون المستخدمون على استعداد لقبول المعلومات ذات الطبيعة التجارية.
ركن ذاتي للسيارات
وقال الكاتب إن القلق الناجم عن ركن (صف) سيارتك في مرآب ضيق أو بين مركبتين سيصبح قريبا مجرد ذكرى سيئة، فسيصبح من الممكن التحكم في المناورة عن بعد عبر مفتاح السيارة أو من الهاتف الذكي، وهذا النظام موجود بالفعل منذ عام 2015 في سيارات “بي إم دبليو” (BMW) من الفئة السابعة، لكنه أصبح أكثر شعبية.
وشدد الكاتب على أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد؛ فعند مدخل مأوى السيارات الذي سيتم تصميمه، ستتوقف السيارة بشكل مستقل تمامًا، ولن تحتاج حتى إلى مرافقتها. وسيعمل النظام أيضًا في الاتجاه المعاكس، وسيكون من الممكن إحضار السيارة عند مدخل موقف للسيارات، على سبيل المثال.